فصل: البحث الثالث عدد دروز الرأس الطبيعي الذي شكله طبيعي وهيأتها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون (نسخة منقحة)



.البحث الثاني الشكل الطبيعي للرأس:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
وأما الشكل الطبيعي لهذا العظم هو الاستدارة لأمرين ومنفعتين.
إلى قوله: ولمثل هذا الشكل دروز ثلاثة حقيقية.
الشرح:
إن للرأس في الطول شكلًا طبيعيًّا وأشكالًا غير طبيعية أما شكله الطبيعي فهو أن يكون مستديرًا إلى طول كالكرة المغمورة من الجانبين فيكون له نتوءان.
أحدهما: إلى قدام وه وأعظم.
والآخر إلى خلف هو أصغر.
أما استدارته: فقد ذكر الشيخ لها منفعتين: إحداهما: لتكون مساحته أعظم فيكون ما يسعه من الدماغ وغيره أكثر وذلك لأن كل جسمين تساوى محيطهما فإن الكرى منهما أعظم مساحة من غيره.
ولا يليق بهذا الكتاب إقامة البرهان على أمثال هذا. والذي يقربه إلى الذهن.
أن الجسم المخروط الشكل الكرى أقل مساحة من المكعب والمكعب أقل مساحة من الذي تحيط به قواعد مخمسة وذلك أقل مساحة من الذي قواعده مسدسة.
وكذلك كل ما قرب شكله من الشكل الكرى كانت مساحته أعظم لا محالة. فالكرى لا محالة أكبر من جميع الأجسام أعني بذلك إذا تساوت الإحاطة.
ويمكنك امتحان هذا بالسطوح فإن المثلث أصغر من المربع وهو أصغر من المخمس وكذلك كلما قرب من الدائرة كان أعظم مما هو أبعد عنها. فتكون الدائرة أو سع المسطحات.
وهذه الفائدة تعود إلى ما يحويه العظم لا إلى العظم نفسه.
وثانيتهما: لتكون أبعد عن قبول الآفات الخارجية مما له زاوية. إذ الزاوية ليس لها من ورائها ما يقويها على مقاومة المصادم. ولذلك ما كان من الأجسام ذا زوايا فإن ما يعرض له من التكسر يكون أو لًا في زواياه. والجسم الكرى جوانبه كلها متساوية فليس عروض الفساد له من جهة أولى من عروضه من جهة أخرى وهذه المنفعة تعود إلى نفس العظم.
وذكر لطول هذا العظم منفعة واحدة وهي أن الأعصاب الدماغية موضوعة في الطول.
أعني مرتبة كل زوج بعد آخر إلى خلف. وهذه الأعصاب سبعة أزواج. فإذا عددنا ما يقع منها في الطول وجدنا سبعة. وإذا عددنا ما أقول: وها هنا سبب آخر لأجله صار شكل الرأس هكذا. وذلك لأن معظم الغرض بعظام الرأس إنما هي وقاية للدماغ. وذلك بأن يكون له كالجنة.
وإنما يتم ذلك بأن يكون محيطًا به من كل جهة وشكل الدماغ مستدير إلى طول فيجب أن يكون شكل ما يحيط به كذلك وإلا كان فيه زيادة غير محتاج إليها في الوقاية أو نقصان تؤدي إلى انضغاط الدماغ وإنما كان شكل الدماغ مستديرًا إلى طول.
أما استدارته فكما قلنا في العظام وأما طوله فلأنه محتاج أن يكون فيه ثلاثة بطون. وأن تكون هذه البطون موضوعة في طوله وذلك يحوج إلى زيادة في طوله.
وإذا كان هذا العظم مستديرًا إلى طول فصوله ما بين مقدمه ومؤخره وجب أن يكون له نتوءان أحدهما إلى قدام والآخر إلى خلف وخلق نتوءه المقدم أعظم لأن ما يحيط به من الدماغ أكبر وإنما كان كذلك لأن مقدم الدماغ للحس ومؤخره يحفظ المعاني والمحسوس إنما ينتفش في شيء له مساحة. ولا كذلك المعاني.
وأما الأشكال الخارجة عن الأمر الطبيعي فسنذكرها بعد.
قوله: وله نتوءان إلى قدام وإلى خلف ليقيا الأعصاب المنحدرة من الجانبين وفائدة هذين النتوءين أنهما ساتران ولا شك أن الساتر إذا كان محدبًا كانت وقايته أتم لأن ملاقاة ما يصادمه يكون بجزء أقل فيكون انفعاله عنه أضعف. والله أعلم.

.البحث الثالث عدد دروز الرأس الطبيعي الذي شكله طبيعي وهيأتها:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
ولمثل هذا الشكل دروز. ثلاثة حقيقية ودرزان كاذبان.
إلى قوله: وأما أشكال الرأس غير الطبيعية فهي ثلاثة.
الشرح:
قد بينا أن الشيخ في هذا الفصل إنما يتكلم في تشريح عظمي اليافوخ.
فلذلك إنما نذكرها ها هنا. دروز الرأس خمسة دروز: ثلاثة منها حقيقية أعني بذلك أنها دروز حقيقية وذلك أن الدروز إنما تحدث من مداخلة كل واحد من العظمين في الآخر في مواضع كثيرة حتى تكون كمنشارين أدخلت زوائد كل واحد منهما في حفر الآخر وكأنها أصابع قصار أدخلت كل إصبع بين إصبعين مما يقابلها. وهذه الدروز كذلك. وسميت دروزًا تشبيهًا لها بدرز الخياطة.
لكنها تخالف تركيب المنشارين والأصابع بأن المنشارين زوائدهما تأخذ من عرض كبير إلى دقة والأصابع عرضها كلها متساوية وزوائد هذه الدروز ليست كذلك بل أطرافها أكثر عرضًا من قواعدها.
وذلك ليكون التركيب أقوى وأحكم ولتكون مسافة الخلل أطول فتكون منافس البخار الذي يحتاج أن يتحلل منه أكثر.
واثنان من هذه الدروز الخمسة ليسا في الحقيقة بدروز بل هما لزاق ولهذا يسميها بعضهم لزاقًا. ولا يطلق عليها اسم الدروز.
والذين يسمونها دروزًا فيسمونها دروزًا كاذبة وغير حقيقية وقشرية وهيأتهما أن كل واحد من العظمين يبتدئ عند قرب طرفه في الترقق ويتم ترققه عند انتهاء طرفه ثم يركب انتهاء ترقق هذا على ابتداء ترقق ذاك حتى تكون ثخانة العظمين عظم واحد وفائدة خلقتهما كذلك أن يسهل تنحي أحد العظمين عن الآخر من غير انكشاف يعرض للدماغ مع أن كل واحد من العظمين شديد الثبات على الآخر وفائدة ذلك أن يجد البخار والرياح الكثيرة التي قد تجتمع في داخل القحف طريقًا متسعًا للانفصال ولا يلزمها فساد الدماغ وشدة الألم.
وأطن أن هذين الدرزين من خواص الإنسان وذلك لأن رأسه في سمت صعود البخار والدخان من البدن كله ويحتاج أن يكون رأسه أكثر نقاء من جميع الحيوان ليكون فكره جيدًا فيحتاج أن يكون منافس تحلل ذلك منه أكثر وأوسع.
وأما أشكال هذه الدروز الخمسة: فالأول من الحقيقية يحيط أعلاه بأعلى الجهة مشترك بين عظمها وعظمي اليافوخ.
وهو قوسي هكذا ويسمى الإكليلي لأنه عند منتهى الإكليل الذي يوضع على الرأس.
وسنذكر في الفصل الآخر غاية امتداد طرفيه ومنه تتحلل البخارات التي في البطن المقدم.
ولذلك وضع حيث يسهل تحلل الأبخرة لأنه يمر على محيط ذلك البطن.
وإنما كان شكله كذلك لأن هذا النتوء كبير فيكون مع باقي الرأس كالكرة وأكثر تحدبًا وانفراجًا.
وإذا قطعت الكرة بسطح مستو كان الانفصال على هيئة دائرة فيكون هذا الدرز على هيئة محيط قطعة دائرة والدرز الثاني يمر مستقيمًا تحت العرق ومنه تتحلل أكثر أبخرة الرأس خاصة ما يكون في وسطه.
وخلق مستقيمًا ليعم جميع الجزء الأعلى من الرأس فيكون تحلل تلك الأبخرة أسهل وأكثر مع كون التركيب أحكم وأقوى.
أما أن التحلل يكون أكثر فلأن هذا الدرز لو انحرف على الجزء الأعلى من الرأس إلى جانبه لبقي ذلك القدر من الجزء الأعلى مانعًا من التحلل.
وأما أن التركيب أقوى فلأن الخط المستقيم أقصر الخطوط فيكون الانفصال أقل ولا كذلك لو كان منحرفًا لأنه حينئذٍ يطول وكذلك لو خلق مستقيمًا ولو لم يكن تحت الفرق لكان ما يتحلل منه من الأبخرة أقل لأنه حينئذٍ لا يكون في أعلى الرأس حيث ينتهي إليه البخار.
وإذا كان هذا الدرز يقطع الرأس من أعلاه فلا بد وأن يمر طرفه المقدم بغاية ارتفاع الدرز الإكليلي ضرورة أن كل سطح مستو أو خط مستقيم قطع كرة بنصفين فلا بد وأن يقطع كل دائرة يقاطعها على زوايا قائمة بنصفين نصفين ويكون محيط الدائرة الحادثة بالقطع مقاطعًا لمحيطات تلك الدوائر على أنصافها.
وأما الدرز الثالث من الحقيقية فأعلاه مشترك بين عظمي اليافوخ وبين الجدار الرابع.
ولما كان النتوء المؤخر صغيرًا لم يكن على هيئة تحدب الكرة بل أقل انفراجًا وأقل انفراجه في أعلاه لأن أسفله يحتاج إلى سعة لأجل نفوذ النخاع منه.
فلذلك يكون شكله كشكل قطعة من مخروط قطع بسطح مستو من أعلاه إلى قاعدته.
فلذلك يكون هذا القطع على هيئة مثلث فيكون هذا الدرز على هيئة ضلعي مثلث متساوي الضلعين ضرورة أن أعلى أسفله الرأس لا ميل له إلى أحد الجانبين.
وأن هذا القطع يبتدئ من أعلى الرأس إلى أسفله فلا بد وأن يكون التقاء هذين الضلعين على نقطة هي الطرف المؤخر من الدرز المستقيم ولكون ضلعي هذا الدرز مستقيمين فائدة وأمان: أما الفائدة: فليكون الخلل اقل فيكون التركيب أقوى.
وأما الأمان: فلأن البطن المؤخر يقل احتباس الأبخرة فيه لأنه آخذ إلى الأسفل. ومن شأن البخار التصعد فيرتفع إلى جهة مقدم الرأس لأنه أرفع. ويسمى هذا الدرز اللامي لأنه يشبه اللام في كتابه اليونان.
وأما الدرزان الكاذبان فهما موضوعان في جانبي الرأس يمنة ويسرة كل واحد منهما مشترك بين عظمي القحف الذي في جهته وبين الجدار الذي في ذلك الجانب.
وإنما خلقا هناك لأن فائدتهما كما قلنا أن ينفتحا عند كثرة الرياح والأبخرة لينقى الدماغ منهما مع بقاء الاستتار.
والموجب لهذا الانفتاح في أكثر الأمر إنما هوا لريح الممددة إلى الجوانب وأكثر تمديدها إنما هو من جهتي اليمين والشمال لأن الرأس ما بين القدام والخلف متسع فلا يضيق على الريح كما يضيق ما بين الجانبين.
وتعين هذه الريح على الفتح حركة الأبخرة إلى فوق مشيلة لعظمي القحف فيسهل الانفتاح ولا كذلك لو جعلا في غير هذين الموضعين.
قوله: مستقيم يقال له وحده سهمي فإذا اعتبر من جهة اتصاله النقصان إما أن يكون في المقدار وكذلك كما إذا كان أحد النتوءين أو كلاهما أصغر من المقدار المعتدل أو في العدد وكذلك كما إذا نقص للرأس أحد النتوءين أو كلاهما.
وأما الخروج عن الطبيعي بالزيادة والنقصان معًا فكما إذا نقص أحد النتوءين وعظم الآخر.
أو نقص النتوءان كلاهما وازداد النتوء في جانب الرأس.
وأما الخروج عن الأمر الطبيعي برداءة وضع الأجزاء فكما إذا كان أحد النتوءين أو كلاهما مائلًا إلى جهة اليمين أو اليسار.
أو أحدهما إلى اليمين والآخر إلى اليسار وليس في هذه الأشكال ما يقع كثيرًا سوى أن يكون بنقصان أحد النتوءين أو كليهما. وهي أشكال الرأس المسفط.
فقوله: ولا يمكن أن يكون للرأس شكل رابع غير طبيعي يريد بذلك أن هذا لا يمكن من جهة النقصان أي لا يمكن أن تكون رداءة شكل الرأس الحادثة بسبب النقصان أكثر من هذه الثلاثة ولذلك علل بأن ذلك يلزمه نقصان في بطون الدماغ أو جرمه ودروز الرأس منها ما لا يتغير بتغير شكله.
وهي ثلاثة: المستقيم والقشريان.
ومنهما ما يتغير بحسب ذلك وهي درزان: الإكليلي واللامي.
وسبب ذلك أن الرأس لو كان كرة حقيقية لم يكن جانب منه أولى من غيره بزيادة أو نقصان في الدروز بل كان إما أن لا يكون في اليافوخ درز البتة أو إن كان فيه درز فليكن من جهة الطول والعرض على السواء وذلك بأن يكون في العرض درز كما في الطول درز ويكون درز العرض في وسط العرض.
كما أن درز الطول كذلك في وسط الطول لكن عدم الدروز بقطعة مخروط غير مواز لسهم ذلك المخروط المتوهم بل مقاطعًا لسهمه إلى قدام من أسفل فلذلك يمر طرفا الجدار الرابع إلى قدام حتى يلاقيا عظم الفك الأعلى عند غاية انقطاع العظمين الحجريين وإذا كان كذلك كان كل واحد من هذين القشريين أقصر كثيرًا من الدرز السهمي ونفوذ هذين القشريين هو فوق الأذنين.
قوله: وليسا بغائصين في العظم تمام الغوص وربما توهم من هذا أن لهما غوصًا ما في العظم وليس كذلك وإنما لم يكن لهما غوص ما لئلا يمنع انفتاحهما. وذلك مبطل لفائدتهما التي ذكرناها. وليس يوجد في البدن مفصل آخر مثلهما. والله أعلم.